وا لهفي عليك يا أمدرمان وأنت تسلمين الروح إلى باريها

هل وقف معتمد أمدرمان القادم من الريف عاجزاً فاقراً فاه أمام الفوضي والتخلف والسلوك المشين وعدم الإنضباط الذي اجتاح تلك المدينة ألآمنة المطمئنة التي فتحت ذراعيها لكل مستجير ومظلوم
أجبرته نير الحروب ومرارات المجاعات على النزوح اليها فكانت الأم الرؤوم التي تهدي من روع
كل مذعور وتبعث الطمأنينة في قلب كل ملتاع مرعوب . هل كان جزاؤها العقوق ممن احتضنتهم وضمتهم الى صدرها الحنون بدلاً من أن يقابل احسانها باحسانوهي تفسح مكاناً لكل قادم اليها فامتدت وترامت أطرافها غرباً حتى صارت حاراتها تعد بالمئات وتجاوزت سلسلة الجبال التي تحدها من جهة الغرب .لقد أستبيحت أسواقها وشوارعها وحتى مياه نيلها سليل الفراديس أم هل ياترى وقعت ضحية لمؤامرة قصد منها طمس الهوية وتغيير تركيبتها السكانية لأنها كانت ولا تزال وستظل عصية الإستمالة شأنها شأن كل حرة لا تفرد شعرها على كتف غادٍ أم رائح فكان مصيرها الإهمال والنسيان.
أن ما دعاني لكتابة هذه السطور هو الحزن والكبد الذي وقر في قلبى وأنا أشاهد الزجاجات البلاستيكية المليئة بالأبوال البشرية وهي ملقاة في قارعة الطريق الرئيسي العام أمام جامع أمدرمان الكبير وفي بعض الأحيان ربما تشاهد أكياس النايلون التي تحوي غائط البني أدمين وهي ملقاة على جانبي الأزقة غير المطروقة بالأسواق هل تتخيلون معي الأذى الذي تسببه هذه السلوكيات المشينة إذا ما داس أحدهم بإطار سيارته على إحدى هذه الزجاجات من غير أن يقصد؟؟؟ هل كان يُظن في
يوم من الأيام أن تصل أخلاق السودانيين الى هذا الرك الأسفل؟؟؟ أما شوارع سوق أمدرمان فقد أغلقت تماماً بجيش عرمرم من الباعة الغوغائيين الطفيليين وهم ينادون على بضائعهم الهامشية فيُخَّيل اليك أن جميع أهل السودان صاروا باعة متجولين والويل والثبور إن طلبت لأحدهم أن يفسح الطريق أو يتنحى الى جانبه حيث يظن أن استباحة الطريق العام حق مشروع طالما قام بدفع الأتاوة للمعتمدية، وفي ظل هذه الفوضى الضاربة بأطنابها يتسابق أصحاب (الدرداقات) للفوز بحمولة غير آبهين بالشيوخ وكبار السن من الرجال والنساء، ويقال أن أحدهم تسبب في كسر ساق إمرأة عجوز.
أما المضايقات والمعاكسات التي تتعرض لها السيدات والحرائر فحدث ولا حرج ونصيحتي أن تمنعوا فتياتكم أن لا يخرجن إلى سوق أمدرمان وإن خرجن فليخرجن مع محرم. أما الشوارع فقد ضاقت بما رحبت لسوء الإستخدام– وغياب السلطة وظهورها إلا بعد أن يحدق بها محدق– فقد استباح المواطنون الطرقات بالقاء الأنقاض وعمل المساطب والردميات التي تمتد الى منتصف الطريق ونزح مياه البالوعات وغسيل الملابس وطرحها في الطرق المعبدة حيث تعمل مادة الصودا الكاوية الموجودة في الصابون على تحليل المادة الإسفلتية وتحِّول سطح الشارع الى أخاديد وحفر ومطبات ( ليت ولاية الخرطوم تعطينا فكرة عن تكلفة رصف الكيلومتر الواحد).
هل تعلمون سادتي أن أحد مسارات شارع أبي روف العام الذي كان في يوم من الأيام متنفساً للمتنزهين أصبح معرضاً لمنتجات أصحاب الورش على مسمع ومرأى من مسؤولي المعتمدية لا لأي سبب غير أن أصحاب الورش من دافعي الأتاوات فصار ذلك الطريق من أخطر طرق أمدرمان وأكثرها ازدحاماً حيث تمر به أرتال السيارات غدواً ورواحاً ولربما لا يعلم مسؤولو المعتمدية تاريخ هذا الشارع وإنه لم يخصص أصلا ًلورش الصناعات الحديدية التي كثيراً ما تضرر منها سكان المنطقة وربما لا يعلم مسؤولو المعتمدية أيضاً أن محال هذا الشارع (حكرا) وانتهى الغرض الذي قامت من أجله وصارت أيلولتها للدولة . أما الأدهى وأنكأ هو التخلص من مياه الصرف الصحي والسيفونات بغاذوراتها في مياه النيل مباشرة وقد دعا الإسلام ذويه إلى حماية البيئة والمحافظة عليها نظيفة، وأحاط ذلك بسلسلة من الإرشادات القويمة في هذا المضمار؛ فجعل إماطة الأذى عن الطرق شعبة من شعب الإيمان؛ لما فيها من تأكيد على صحة البيئة وحماية الناس من الأذى أو التلوث.. يقول رسول الله: “الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق”.. وكذا نهى النبي عن التغوط في موارد المياه والطريق، كما نهى أيضاً عن التبول في الماء الراكد.. وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله: “اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، وفي الظل”، ولاشك في أن إتيان مثل هذه السلوكيات الدنيئة يلوث البيئة ويضر بصحة الإنسان أيما ضرر؛ فالبول في الماء بعامة والراكد بخاصة يؤدي إلى انتشار الأوبئة والأمراض المتوطنة، والعدوى عن طريق انتشار الديدان الخطيرة كالبلهارسيا والأنكستوما والميكروبات المسببة للتيفوئيد والكوليرا والتهاب الكبد بأنواعه الخمسة وخير شاهد على ذلك الإنتشارالذريع لأمراض الكبد في الدولة التي تقع شمالنا نتيجة لتلوث مياه الشرب ولعل كل من زار تلك البلاد لا شك أنه لاحظ كمية الكلور ورائحته النفاذة التي تضاف الى الماء في سبيل تقليل احتمال انتشار المرض . فلنتق الله جميعاً في أهلنا وذوينا وصغارنا وضعافنا وليتق الله فينا ولاة الأمر منا.
بشار أحمد بشار (إبن برد)
ملحوظة : هذه السطور حق مشاع لكل قاريء يريد أن ينقلها لأي موقع أو مدونة أو صحيفة أو حيثما شاء.

Leave a comment